دعاني صديقي إلى حفلهْ ، لأسمع من موشحات قفلهْ ، فقصدتُ مجلس الإيناس ، لأسمع الشدوَ مع الناس ، زهور وطبول وكراسي ، ومزامــير تصــدح في راسي ، نظرت نحو الباب ، منتظراً قدوم زرياب ، خلت أني في العصر العباسي ، أسمع المعاني ، من صريع الغواني ، وأتلذذ بأشعار النواسي .
وفجأة ومن بين صفوف الناس ، قفزشخص كالنسناس ، كأنَّ شعره غابهْ ، قد ربطه بعصابهْ ، متصنعاً وجد الصبابهْ ، وراح يقفز للأعالي ، ويغني الليالي ، ببنطاله الزهري ، مثل الحمار الشهري ، وقميصه البرتقالي ، وصاح صوتاً كالبوق ، توقف له أهل السوق ، وشهق شهقهْ ، في إثرها نهقهْ ، وجاد باللحن المسروق ، فلم تحتمل أذناي ، صوت الطبول والناي ، صرخت أين زرياب ؟ قالوا : مات من أحقاب ، هرعت نحو الباب ، قيل لا تزعجنا إسمع مطرب الشباب .
قلت له : كفى يا هذا ، فنادى الجالسون لماذا ؟ هل تعيدنا إلى الربابهْ ؟ أم غناء أهل الغابهْ ؟ قلت : هذا الطرب لكم أدع ، إن الطيور على أشكالها تقع ، وأنشدت :
إذا غنّى أبو عمرٍو مقاماً---- تمنى مسمعي لو كان أطرشْ
إذا ما راحَ يُسمعنا قراراً ---- كأنَّ بحلقهِ الشوفان يُجْرَشْ
وإن عاف القرار إلى جوابٍ ---فما من مسمعٍ إلاّ تخرَّشْ
أكادُ أهيجُ من غضبي عليهِ- --فأصْبحُ مثل ضرغامٍ تَوحَّشْ
فأكسرُ طبلَهُ والبوقَ سُخطاً---- وأتركُ وجههُ لوحاً مُخَرْبَشْ
***
**