الأحد، 8 ديسمبر 2019

عبقرية اللغة العربية والنحو العربي د. زهير بختي دحمور


عبقرية اللغة العربية  والنحو العربي
د. زهير بختي دحمور



إن من طبيعة الثقافات  والحضارات أن تأخذ وتستوحي من بعضها البعض، ولهذا نجد عند دراستنا للغة معينة تطورا ينبئ عن مدى تأثر اللغات ببعضها غير ان للغة العربية مميزاتها الخاصة التي تميزها عن غيرها من اللغات السامية والهندوأوربية وغيرهما على السواء، و يمكن الاستدلال على هذا بما يلي:

أولا: من حيث نشأة اللغة:
لا يمكن التشكيك في قدرات العربي الأعرابي العقلية في كونه عبقريا قادرا على صنع لغة تتغير أواخر كلمها، ولكن لا مناص من التشكيك في قدرة الجماعة على الاصطلاح إذا نظرنا بعض الشيء إلى الفروقات العقلية بين الجماعات العربية، إذ أنه من الصعب جدا - بل يكاد يستحيل- أن تصطلح العرب على البنية النحوية للغة العربية دون دراسة علم النحو، ولا نبالغ إذا قلنا أنه يستحيل ذلك مهما بلغت العربية من قدسية عند الإنسان العربي؛ لأن التركيب النحوي للعربية - وإن كان يبدو بسيطا للوهلة الأولى - هو في غاية الصعوبة ليس من حيث الوضع فحسب بل من حيث ولادة الفكرة في أصلها، وهذا يجعلنا نطرح العديد من الأسئلة في مرحلة انتقال العربية من عربية عاربة إلى عربية مستعربة تتحضر لحمل كلام الله.
ولهذا لا يمكننا القول أنه إذا كانت اللغة العربية مصطلحا عليها كم لزم من الزمن ليصطلح العربي على الكلام بها وفق القوانين النحوية المتعارف عليها الآن، لأنه -وبكل بساطة-  كان بإمكان العرب أن يصطلحوا على لغة لا تحكمها أواخر الكلم؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثانيا: من حيث التنظير:
من المعروف أن العربي كان يتكلم على السليقة وهي القوانين التي تحكمها الملَكَة، ويمكن -إلى حد ما- وصفها قبل التنظير النحوي والتدوين العلمي بالدوغما وهذا واضح في قول الأعرابي:

ولَستُ بنحوِيٍّ يلوكُ لسانَهُ              ولكن سليقيٌّ أقولُ فأُعرِبُ

       فإذا نظرنا إلى هذا التنظير فإنه يحيلنا -بلا شك- إلى عبقرية عربية بإمكانها التوفيق بين الأحكام، والخروج في النهاية بقوانين شاملة تحكم اللغة وتجعلها مقياس الخطأ والصواب، وهذه العبقرية هي التي اكتشفت الجملة البسيطة والمركبة، وسمّت ما ابتدأت به الجملة البسيطة فعلا وقسمته إلى أزمنة ثلاث، ثم اكتشفت أن الفعل فعلان أحدها ناقص والآخر تام، وميزت البناء والإعراب ولم تطلق عليهما حكما واحدا، وقس على ذلك علم النحو كله.
 ثم إذا نظرنا إلى طبيعة المصطلحات فإن بها ما بها من المعاني القيمية والأخلاقية، فكأننا بالجملة الفعلية البسيطة تقول لنا إن الفاعل دائما رفيع وكل مفعول منصوب، وإذا غاب الفاعل ناب عنه المفعول وارتفع شأنه، وهذا -إلى حد ما- يشبه المثل الشعبي القائل غاب القط فالعب يا فأر، وهكذا...فإن النحو العربي هو فلسفة حياة وليس مجرد قوانين تحكم اللغة، بل إن النحو قوانين تحكم الحياة الانسانية، وبهذا -وحتى لا نغامر بالجزم جزما مطلقا- فإننا نرجح بأن العربية توقيف في قواعدها وفلسفتها وإن كان بعض ألفاظها أو ما تأخر منها اصطلاحا ومحاكاة.


مقتبس من كتاب: نظرية النظم قراءة في مشروع عبد القاهر الجرجاني، للكاتب: د. زهير بختي دحمور

للاطلاع على الكتاب انقر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عن الكاتب

عنوان الصورة عنوان الصورة عنوان الصورة عنوان الصورة عنوان الصورة