الأحد، 8 ديسمبر 2019

إعجاز القران الكريم من خلال نظرية النظم لعبد القاهر الجرجاني د. زهير بختي دحمور

إعجاز القران الكريم من خلال نظرية النظم لعبد القاهر الجرجاني
د. زهير بختي دحمور



كان القران الكريم منذ نزوله يشكل قفزة في الفكر العربي والاسلامي؛ وهذا بتغير مركزية الرؤيا، والتحول من سلطة الوجدان سلطة النص، وبهذا لأول مرة صار للإنسان العربي مصدر قانوني وفكري تبنى عليه افكاره، كما انه ولأول مرة يكسر قدسية العادات و التقاليد التي  بدورها صارت مع الزمن تغني القيم القبلية وتصنع في مقابل ذلك كله بديلا لها من قيم حضارية انسانية ستتخطى فيما بعد حدود التاريخ والجغرافيا.
وكما هو معروف عن الانسان العربي فقد كانت اللغة تشكل الحيز الاكبر من اهتمامه وكان الناس -الى حد ما - يفتخرون على بعضهم البعض في اشكال لغوية رفيعة مما شكل لديهم عصبية حول العربية، فصاروا يفتخرون بالبلاغة والفصاحة، ومن هنا جاء التحدي السماوي ليكون دعما ماديا لنبي الاسلام، ليشهد بإعجازه العدو قبل الصديق على حسب ما حفظته لنا  كتب السير والتاريخ.
 ازداد اهتمام المسلمين بالبلاغة لكونها ميزة قرآنية، وهذا في سبيل الكشف عن الاعجاز والمحاولة في استفادة من الاسرار القرآنية، حتى صارت البلاغة علما له أصوله ومفاهيمه لا يكاد الباحث في اعجاز القران يغفل عنه  لما في هذا الكتاب العزيز من حسن تأليف وبراعة التركيب وانجاز بديع على حسب رأي صاحب الصناعتين[1].
بصورة دياليكتيكية كان للإعجاز هو الآخر أثر كبير في تطور علم البلاغة، وبلورة ملكة النقد، وكان لعلم الكلام -والمتكلمين بالخصوص- اليد الطولى في هذا البحث مع تباين كبير في أرائهم فرأت المعتزلة باستثناء النظام وهاشم الفوطي وعباد بن سليمان أن "تأليف القرآن ونظمه معجز محال وقوعه منهم كاستحالة إحياء الموتى منهم"[2].
وقال النظام: "الآية والأعجوبة في القرآن ما فيه من الإخبار عن الغيوب، فأما التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد لو لا أن الله منعهم بمنع وعجز أحدثهما فيهم"[3]، وبالتالي فللمعتزلة رأيان في إعجاز القرآن: رأي يرى جوهر الإعجاز في النظم والتأليف، وآخر يراه بالصرفة[4]، ورأى الجاحظ الرأيين كليهما[5]، ولم ينفرد النظام بهذا الرأي بل قال به ابن حزم وزعم أن "القرآن معجز قد أعجز الله عن مثل نظمه جميع العرب وغيرهم من الإنس والجن"[6].
أما عن الأشاعرة فقد رأوا أن الإعجاز في ثلاثة أوجه:
الوجه الأول:
أنه يتضمن الإخبار عن الغيوب وهو أمر لا يقدر عليه البشر[7]، وهذا دلالة واضحة على كونه نصا إلهيا يتنزه عن كل نقص يلحقه به التأليف الإنساني.
الوجه الثاني:
إخباره عن الأمم الماضية وأقاصيصهم منذ بداية الكون على الرغم من كون النبي صلى الله عليه وسلم أميا لا يكتب ولا يقرأ[8]، وقد صدّق ذلك أحبار اليهود والنصارى الذين آمنوا بنبوته صلى الله عليه وسلم بمجرد سماع أخبار السابقين والتي توافقت مع ما ذكر في التوراة والإنجيل كما جاء في قصة نزول سورة الكهف[9] وغيرها.
الوجه الثالث:
بلاغته وحسن نظمه وعجيب تأليفه[10]، وهو ما جاء في إقرار الوليد بن المغيرة: "لقوله لحلاوة، وإن أصله لعذق وإن فرعه لجناة... وما أنتم بقائلين من هذا شيئا لا أعرف أنه باطل"[11].
وبهذا يكون الطرح منذ البداية طرحا نصيا نسقيا يحاول الكشف عن الإعجاز من داخل النص عبر النسج الذي تصنعه الألفاظ لبناء المعاني، "هذه الفكرة في حد ذاتها تجاوز لجدال تجزيئي يركز على اللفظ ويراه معيارا للإعجاز والتفاضل، بمقابل الرأي الذي كان يرى أن المعنى هو المعيار الأساسي للإعجاز والتفاضل"[12].
إن النص القرآني قضية جوهرية في النقد وخصوصا بعد تحول الاهتمام من الفكرة الشعرية إلى الفكرة العقلية، ومع أن اللغة أمر لا بد منه لكونها أداة اتصال بين المتكلم والمتلقي، فإنها -إلى حد ما- بقيت محافظة على قدسيتها، فالناقد قد يدرك بطريقة ما أن هناك علاقة بين الألفاظ والمعاني ولكنه في الوقت ذاته لا يميز هذه العلاقة، غير أنه مع حركة التدوين صارت هناك أفكار واجتهادات تحاول تفسير علاقة اللفظ بالمعنى ودورهما في بناء النصوص الدينية الأدبية.




[1]- أحمد مطلوب، اتجاهات النقد الأدبي في القرن الرابع للهجرة، وكالة المطبوعات، بيروت، ط:01، 1973، ص:121.
[2]- أبو الحسن الأشعري، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، تح.محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا، د.ط، 1990، ج: .01، ص:296.
[3]- المصدر نفسه، ج: 01، ص:296.
[4]- مصطلح الصرفة يشير إلى أنه صرف الهمم عــن المعارضة وإن كان مقدورا عليها غير معجوز عنها. ولکــن عاقهم عنها أمــر خارجي، فصار معجزة كسائر المعجــزات، ولــو لــم يصرفهم عن ذلک، لجائوا بمثله. للتوسع في موضوع الصرفة ينظر: الزرکشي، البرهان في علوم القرآن، مكتبة دار التراث، ط: 03، 1984، ج٢ ،ص٩٣-94، الخطابي، شرح رسالة بيان اعجاز القرآن، دار المأمون للنراث، بيروت، ط:01، 1995، ص:32-33. السيوطي، الاتقان في علوم القرآن، مؤسسة الرسالة ناشرون، ط:01، 2006، ص: 647.
[5]- أحمد مطلوب، اتجاهات النقد الأدبي في القرن الرابع للهجرة، ص:122.
[6]- ابن حزم الظاهري، الفصل في الملل والأهواء والنحل، مكتبة السلام العالمية، د.ن، د.ط، د.ت، ج: 03، ص:10.
[7]- ينظر: أبو بكر الباقلاني، إعجاز القرآن، تح.السيد أحمد صقر، دار المعارف بمصر، القاهرة، د.ط، د.ت،  ص:33.
[8]- ينظر: المصدر نفسه، ص:34.
[9] - ينظر: السيوطي، أسباب النزول، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط:011، 2002، ص: 168.
[10] - ينظر: أبو بكر الباقلاني، إعجاز القرآن، ص:35.
[11] - ابن هشام، السيرة النبوية، المطبعة الخيرية، مصر، ط: 01، 1329هـ، ج. 01، ص: 248.
[12]- عبد الجليل ناظم، البلاغة والسلطة في المغرب: أحمد بن محمد بن يعقوب الولالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط:01، 2002، ص:19.

مقتبس من كتاب: نظرية النظم قراءة في مشروع عبد القاهر الجرجاني للكاتب: د. زهير بختي دحمور

للاطلاع على الكتاب انقر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عن الكاتب

عنوان الصورة عنوان الصورة عنوان الصورة عنوان الصورة عنوان الصورة